فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أخرج أحمد، والترمذي وحسنه، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: قام النبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا يصلي، فخطر خطرة، فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترى أن له قلبين قلبًا معكم وقلبًا معهم؟ فنزل: {مَّا جَعَلَ الله لرَجُلٍ مّن قَلْبَيْن في جَوْفه}.
وأخرج ابن مردويه عنه من طريق أخرى بلفظ: صلى لله النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة فسها فيها، فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون، فقالوا: إن له قلبين، فنزلت.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضًا قال: كان رجل من قريش يسمى من دهائه ذا القلبين، فأنزل الله هذا في شأنه.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر، أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن {ادعوهم لآبَائهمْ} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت زيد بن حارثة بن شراحيل».
وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النبي أولى بالمؤمنين منْ أَنْفُسهمْ} فأيما مؤمن ترك مالًا فلترثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينًا أو ضياعًا فليأتني فأنا مولاه» وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه من حديث جابر نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن بريدة قال: غزوت مع عليّ إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليًا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير، وقال: «يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» وقد ثبت في الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» وأخرج ابن سعد وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن عائشة؛ أن امرأة قالت لها: يا أمه، فقالت: أنا أمّ رجالكم ولست أمّ نسائكم.
وأخرج ابن سعد عن أم سلمة قالت: أنا أمّ الرجال منكم والنساء.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وإسحاق بن راهويه وابن المنذر والبيهقي في دلائله عن بجالة قال: مرّ عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم} فقال: يا غلام حكها، فقال: هذا مصحف أبيّ، فذهب إليه فسأله، فقال: إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق في الأسواق.
وأخرج الفريابي والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم}. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ اتَّق اللَّهَ وَلَا تُطع الْكَافرينَ وَالْمُنَافقينَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَليمًا حَكيمًا (1)}.
هذا هو ابتداء السورة التي تتولى تنظيم جوانب من الحياة الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع الإسلامي الوليد. وهو ابتداء يكشف عن طبيعة النظام الإسلامي والقواعد التي يقوم عليها في عالم الواقع وعالم الضمير.
إن الإسلام ليس مجموعة إرشادات ومواعظ، ولا مجموعة آداب وأخلاق، ولا مجموعة شرائع وقوانين، ولا مجموعة أوضاع وتقاليد.
إنه يشتمل على هذا كله. ولكن هذا كله ليس هو الإسلام. إنما الإسلام الاستسلام. الاستسلام لمشيئة الله وقدره؛ والاستعداد ابتداء لطاعة أمره ونهيه؛ ولاتباع المنهج الذي يقرره دون التلفت إلى أي توجيه آخر وإلى أي اتجاه ودون اعتماد كذلك على سواه وهو الشعور ابتداء بأن البشر في هذه الأرض خاضعون للناموس الإلهي الواحد الذي يصرّفهم ويصرّف الأرض، كما يصرّف الكواكب والأفلاك؛ ويدبر أمر الوجود كله ما خفي منه وما ظهر، وما غاب منه وما حضر، وما تدركه منه العقول وما يقصر عنه إدراك البشر. وهو اليقين بأنهم ليس لهم من الأمر شيء إلا اتباع ما يأمرهم به الله والانتهاء عما ينهاهم عنه؛ والأخذ بالأسباب التي يسرها لهم، وارتقاب النتائج التي يقدرها الله. هذه هي القاعدة. ثم تقوم عليها الشرائع والقوانين، والتقاليد والأوضاع، والآداب والأخلاق. بوصفها الترجمة العملية لمقتضيات العقيدة المستكنة في الضمير؛ والآثار الواقعية لاستسلام النفس لله، والسير على منهجه في الحياة. إن الإسلام عقيدة. تنبثق منها شريعة. يقوم على هذه الشريعة نظام. وهذه الثلاثة مجتمعة مترابطة متفاعلة هي الإسلام.
ومن ثم كان التوجيه الأول في السورة التي تتولى تنظيم الحياة الاجتماعية للمسلمين بتشريعات وأوضاع جديدة، هو التوجيه إلى تقوى الله. وكان القول موجهًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القائم على تلك التشريعات والتنظيمات. {يا أيها النبي اتق الله}. فتقوى الله والشعور برقابته واستشعار جلاله هي القاعدة الأولى، وهي الحارس القائم في أعماق الضمير على التشريع والتنفيذ. وهي التي يناط بها كل تكليف في الإسلام وكل توجيه.
وكان التوجيه الثاني هو النهي عن طاعة الكافرين والمنافقين، واتباع توجيههم أو اقتراحهم، والاستماع إلى رأيهم أو تحريضهم: {ولا تطع الكافرين والمنافقين}. وتقديم هذا النهي على الأمر باتباع وحي الله يوحي بأن ضغط الكافرين والمنافقين في المدينة وما حولها كان في ذلك الوقت عنيفًا، فاقتضى هذا النهي عن اتباع آرائهم وتوجيهاتهم، والخضوع لدفعهم وضغطهم. ثم يبقى ذلك النهي قائمًا في كل بيئة وكل زمان، يحذر المؤمنين أن يتبعوا آراء الكافرين والمنافقين إطلاقًا، وفي أمر العقيدة وأمر التشريع وأمر التنظيم الاجتماعي بصفة خاصة. ليبقى منهجهم خالصًا لله، غير مشوب بتوجيه من سواه.
ولا ينخدع أحد بما يكون عند الكافرين والمنافقين من ظاهر العلم والتجربة والخبرة كما يسوغ بعض المسلمين لأنفسهم في فترات الضعف والانحراف فإن الله هو العليم الحكيم؛ وهو الذي اختار للمؤمنين منهجهم وفق علمه وحكمته: {إن الله كان عليمًا حكيمًا}. وما عند البشر إلا قشور، وإلا قليل!.
والتوجيه الثالث المباشر: {واتبع ما يوحى إليك من ربك}. فهذه هي الجهة التي تجيء منها التوجيهات، وهذا هو المصدر الحقيق بالاتباع. والنص يتضمن لمسات موحية تكمن في صياغة التعبير: {واتبع ما يوحى إليك من ربك}.
فالوحي {إليك} بهذا التخصيص. والمصدر {من ربك} بهذه الإضافة. فالاتباع هنا متعين بحكم هذه الموحيات الحساسة، فوق ما هو متعين بالأمر الصادر من صاحب الأمر المطاع. والتعقيب: {إن الله كان بما تعملون خبيرًا}. فهو الذي يوحي عن خبرة بكم وبما تعملون؛ وهو الذي يعلم حقيقة ما تعملون، ودوافعكم إلى العمل من نوازع الضمير.
والتوجيه الأخير: {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلًا}. فلا يهمنك أكانوا معك أم كانوا عليك؛ ولا تحفل كيدهم ومكرهم؛ وألق بأمرك كله إلى الله، يصرفه بعلمه وحكمته وخبرته. ورد الأمر إلى الله في النهاية والتوكل عليه وحده، هو القاعدة الثابتة المطمئنة التي يفيء إليها القلب؛ فيعرف عندها حدوده، وينتهي إليها؛ ويدع ما وراءها لصاحب الأمر والتدبير، في ثقة وفي طمأنينة وفي يقين.
وهذه العناصر الثلاثة: تقوى الله. واتباع وحيه. والتوكل عليه مع مخالفة الكافرين والمنافقين هي العناصر التي تزود الداعية بالرصيد؛ وتقيم الدعوة على منهجها الواضح الخالص. من الله، وإلى الله، وعلى الله. {وكفى بالله وكيلًا}.
ويختم هذه التوجيهات بإيقاع حاسم مستمد من مشاهدة حسية:
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}.
إنه قلب واحد، فلابد له من منهج واحد يسير عليه. ولابد له من تصور كلي واحد للحياة وللوجود يستمد منه. ولابد له من ميزان واحد يزن به القيم، ويقوّم به الأحداث والأشياء. وإلا تمزق وتفرق ونافق والتوى، ولم يستقم على اتجاه.
ولا يملك الإنسان أن يستمد آدابه وأخلاقه من معين؛ ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر؛ ويستمد أوضاعه الاجتماعية أو الاقتصادية من معين ثالث؛ ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع. فهذا الخليط لا يكوّن إنسانًا له قلب. إنما يكون مزقًا وأشلاء ليس لها قوام!.
وصاحب العقيدة لا يملك أن تكون له عقيدة حقًا، ثم يتجرد من مقتضياتها وقيمها الخاصة في موقف واحد من مواقف حياته كلها، صغيرًا كان هذا الموقف أم كبيرًا. لا يملك أن يقول كلمة، أو يتحرك حركة، أو ينوي نية، أو يتصور تصورًا، غير محكوم في هذا كله بعقيدته إن كانت هذه العقيدة حقيقة واقعة في كيانه لأن الله لم يجعل له سوى قلب واحد، يخضع لناموس واحد، ويستمد من تصور واحد، ويزن بميزان واحد.
لا يملك صاحب العقيدة أن يقول عن فعل فعله: فعلت كذا بصفتي الشخصية. وفعلت كذا بصفتي الإسلامية! كما يقول رجال السياسة أو رجال الشركات. أو رجال الجمعيات الاجتماعية أو العلمية وما إليها في هذه الأيام! إنه شخص واحد له قلب واحد، تعمره عقيدة واحدة. وله تصور واحد للحياة، وميزان واحد للقيم. وتصوره المستمد من عقيدته متلبس بكل ما يصدر عنه، في كل حالة من حالاته على السواء.
وبهذا القلب الواحد يعيش فردًا، ويعيش في الأسرة، ويعيش في الجماعة، ويعيش في الدولة. ويعيش في العالم. ويعيش سرًا وعلانية. ويعيش عاملًا وصاحب عمل. ويعيش حاكمًا ومحكومًا. ويعيش في السراء والضراء. فلا تتبدل موازينه، ولا تتبدل قيمه، ولا تتبدل تصوراته. {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}.
ومن ثم فهو منهج واحد، وطريق واحد، ووحي واحد، واتجاه واحد. وهو استسلام لله وحده. فالقلب الواحد لا يعبد إلهين، ولا يخدم سيدين، ولا ينهج نهجين، ولا يتجه اتجاهين. وما يفعل شيئًا من هذا إلا أن يتمزق ويتفرق ويتحول إلى أشلاء وركام!.
وبعد هذا الإيقاع الحاسم في تعيين المنهج والطريق يأخذ في إبطال عادة الظهار وعادة التبني. ليقيم المجتمع على أساس الأسرة الواضح السليم المستقيم:
{وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورًا رحيمًا}.
كان الرجل في الجاهلية يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. أي حرام محرمة كما تحرم عليّ أمي. ومن ساعتئذ يحرم عليه وطؤها؛ ثم تبقى معلقة، لا هي مطلقة فتتزوج غيره، ولا هي زوجة فتحل له. وكان في هذا من القسوة ما فيه؛ وكان طرفًا من سوء معاملة المرأة في الجاهلية والاستبداد بها، وسومها كل مشقة وعنت.
فلما أخذ الإسلام يعيد تنظيم العلاقات الاجتماعية في محيط الأسرة؛ ويعتبر الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى؛ ويوليها من عنايته ما يليق بالمحضن الذي تنشأ فيه الأجيال. جعل يرفع عن المرأة هذا الخسف؛ وجعل يصرف تلك العلاقات بالعدل واليسر. وكان مما شرعه هذه القاعدة: {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم}. فإن قولة باللسان لا تغير الحقيقة الواقعة، وهي أن الأم أم والزوجة زوجة؛ ولا تتحول طبيعة العلاقة بكلمة! ومن ثم لم يعد الظهار تحريمًا أبديًا كتحريم الأم كما كان في الجاهلية.
وقد روي أن إبطال عادة الظهار شرع فيما نزل من سورة المجادلة عندما ظاهر أوس بن الصامت من زوجه خولة بنت ثعلبة، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو تقول؛: يا رسول الله، أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني. حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي، ظاهر مني. فقال صلى الله عليه وسلم ما أراك إلا قد حرمت عليه. فأعادت ذلك مرارًا. فأنزل الله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} فجعل الظهار تحريمًا مؤقتًا للوطء لا مؤبدًا ولا طلاقًا كفارته عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا. وبذلك تحل الزوجة مرة أخرى، وتعود الحياة الزوجية لسابق عهدها. ويستقر الحكم الثابت المستقيم على الحقيقة الواقعة: {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم}. وتسلم الأسرة من التصدع بسبب تلك العادة الجاهلية، التي كانت تمثل طرفًا من سوم المرأة الخسف والعنت، ومن اضطراب علاقات الأسرة وتعقيدها وفوضاها، تحت نزوات الرجال وعنجهيتهم في المجتمع الجاهلي.
هذه مسألة الظهار. فأما مسألة التبني، ودعوة الأبناء إلى غير آبائهم، فقد كانت كذلك تنشأ من التخلخل في بناء الأسرة، وفي بناء المجتمع كله.
ومع ما هو مشهور من الاعتزاز بالعفة في المجتمع العربي، والاعتزاز بالنسب، فإنه كانت توجد إلى جانب هذا الاعتزاز ظواهر أخرى مناقضة في المجتمع، في غير البيوت المعدودة ذات النسب المشهور.
كان يوجد في المجتمع أبناء لا يعرف لهن آباء! وكان الرجل يعجبه أحد هؤلاء فيتبناه يدعوه ابنه، ويلحقه بنسبه، فيتوارث وإياه توارث النسب.
وكان هناك أبناء لهم آباء معروفون. ولكن كان الرجل يعجب بأحد هؤلاء فيأخذه لنفسه، ويتبناه، ويلحقه بنسبه، فيعرف بين الناس باسم الرجل الذي تبناه، ويدخل في أسرته. وكان هذا يقع بخاصة في السبي، حين يؤخذ الأطفال والفتيان في الحروب والغارات؛ فمن شاء أن يلحق بنسبه واحدًا من هؤلاء دعاه ابنه، وأطلق عليه اسمه، وعرف به، وصارت له حقوق البنوة وواجباتها.
ومن هؤلاء زيد بن حارثة الكلبي. وهو من قبيلة عربية. سبي صغيرًا في غارة أيام الجاهلية؛ فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة رضي الله عنها فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له. ثم طلبه أبوه وعمه فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، وتبناه، وكانوا يقولون عنه: زيد بن محمد. وكان أول من آمن به من الموالي.
فلما شرع الإسلام ينظم علاقات الأسرة على الأساس الطبيعي لها، ويحكم روابطها، ويجعلها صريحة لا خلط فيها ولا تشويه. أبطل عادة التبني هذه؛ ورد علاقة النسب إلى أسبابها الحقيقية. علاقات الدم والأبوة والبنوة الواقعية. وقال: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}. {ذلكم قولكم بأفواهكم}. والكلام لا يغير واقعًا، ولا ينشئ علاقة غير علاقة الدم، وعلاقة الوراثة للخصائص التي تحملها النطفة، وعلاقة المشاعر الطبيعية الناشئة من كون الولد بضعة حية من جسم والده الحي!.
{والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.
يقول الحق المطلق الذي لا يلابسه باطل. ومن الحق إقامة العلاقات على تلك الرابطة الحقة المستمدة من اللحم والدم، لا على كلمة تقال بالفم. {وهو يهدي السبيل} المستقيم، المتصل بناموس الفطرة الأصيل، الذي لا يغني غناءه سبيل آخر من صنع البشر، يصنعونه بأفواههم. بكلمات لا مدلول لها من الواقع. فتغلبها كلمة الحق والفطرة التي يقولها الله ويهدي بها السبيل.